كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال بعض الصوفية‏:‏ ينبغي لمن يخدم كبيراً كاملاً ثم فقده أن لا يصحب إلا من هو أكمل منه وإلا جعل صحبته مع اللّه قال رجل للعارف التستري‏:‏ أريد أصحبك قال‏:‏ إذا مات أحدنا من يصحبه الثاني قال‏:‏ ‏[‏ص 344‏]‏ اللّه تعالى قال‏:‏ اصحبه الآن وجاء إليه رجل يبكي فقال‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ مات أستاذي قال‏:‏ ما لك اتخذت أستاذاً يموت ‏(‏وسائلوا العلماء‏)‏ العاملين عما يعرض لكم من الأحكام ومن كان بالصفة المقررة فهو من كبراء زمانه وعلماء أوانه فيجب أن يجالس بالتوقير والإحترام ويسائل بالتبجيل والإعظام وذم الجوارح ومراقبة الخواطر ‏(‏وخالطوا‏)‏ في رواية خاللوا ‏(‏الحكماء‏)‏ أي اختلطوا بهم في كل وقت فإنهم المصيبون في أقوالهم المتقنون لأفعالهم المحافظون في أحوالهم ففي مداخلتهم تهذيب للأخلاق وفي النص على مسائلة العلماء تنبيه على إيجاب تقديم العلم على العمل ولم يوقت إيذاناً بملازمة السؤال إلى الترحال من دار الزوال فكأنه قال كن متعلماً أبداً وإذا أطلق العلماء فالمراد العارفون بالحلال والحرام وغيرهم يعرفه أو يضاف كعلم الكلام فكأنه حث على تعلم الفقه لعموم البلوى ومس الحاجة‏.‏

قال الراغب‏:‏ قال بعض الحكماء‏:‏ مجالسة العلماء ترغبك في الثواب ومجالسة الحكماء تقربك من الحمد وتبعدك عن الذم ومجالسة الكبراء تزهدك فيما عدا فضل اللّه الباري تعالى وقال بعضهم‏:‏ إذا جالست أهل الدنيا فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تحقيرها وتعظيم الآخرة أو أهل الآخرة فحاضرهم بوعظ الكتاب والسنة وتعظيم دار البقاء وتحقير دار الفناء أو الملوك فبسيرة أهل العدل مع حفظ الأدب والعفاف أو العلماء فبالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة مع الإنصاف وعدم الجدال المظهر حب العلو عليهم أو الصوفية فيما يشهد لأحوالهم ويقيم حجتهم على المنكر عليهم مع أدب الباطن قبل الظاهر والعارفين فيما شئت فإن لكل شيء عندهم وجه من وجوه المعرفة بشرط عدم المزج وحفظ الأسرار سيما من الأشرار‏.‏ ‏(‏تتمة‏)‏ من أمثالهم طأ أعتاب العالمين تطأ رقاب العالمين‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن جحيفة‏)‏ بالتصغير قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني من طريقين أحدهما هذه والأخرى موقوفة وفيه عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي ضعفه أبو زرعة والدارقطني وساق له مناكير هذا منها‏.‏

3578 - ‏(‏جاهدوا‏)‏ من المجاهدة مفاعلة من الجهد فتحاً وضماً وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة وكل من أتعب نفسه في ذات اللّه فقد جاهد في سبيل اللّه لكنه إذا أطلق عرفاً لا يقع إلا على جهاد الكفار ‏(‏المشركين‏)‏ يعني الكفار وخص أهل الشرك لغلبتهم إذ ذاك ‏(‏بأموالكم‏)‏ أي في كل ما يحتاجه المسافر من سلاح ودواب وزاد ‏(‏وأنفسكم‏)‏ أي بالقتال بالسلاح ‏{‏فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم‏}‏ ‏(‏وألسنتكم‏)‏ بالمكافحة عن الدين وهجو الكافرين فلا تداهنهم بالقول بل جادلهم واغلظ عليهم ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين لحمله على البذاءة به لا على من أجاب منتصراً‏.‏

- ‏(‏حم د ن حب ك‏)‏ في الجهاد ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك قال الحاكم‏:‏ على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود‏:‏ إسناد صحيح‏.‏

3579 - ‏(‏جبل الخليل‏)‏ أي الجبل المعروف بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ‏(‏مقدس‏)‏ أي مطهر ‏(‏وإن الفتنة لما ظهرت في بني إسرائيل أوحى اللّه إلى أنبيائهم‏)‏ أي الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل ‏(‏أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل‏)‏ فلا مزية على ذلك من بين جميع الأجبل فلا بأس بزيارته والتبرك به‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن الوضين بن عطاء‏)‏ مرسلاً‏.‏

3580 - ‏(‏جبلت القلوب‏)‏ أي خلقت وطبعت ‏(‏على حب من أحسن إليها‏)‏ بقول أو فعل ‏(‏وبغض من أساء إليها‏)‏ بذلك لأن الآدمي مركب على طبائع شتى وأخلاق متباينة والشهوات فيه مركبة ومن رؤوس الشهوات نيل المنى وقضاء الوطر فمن بلغ نفس غيره مرامها فلنفسه أقامها فإذا أحسن إليها صفت وصارت طوعاً له وإلا فهي كالكره فاستبان أن الألفة ‏[‏ص 345‏]‏ إنما تتم بين النفوس كأنها تقول شأني اللذات لا الطاعات فهل يبرني أحد حتى أحبه قال العارف ابن عطاء اللّه‏:‏ من أحسن إليك فقد استرقك بامتنانه ومن آذاك فقد أعتقك ومن رق إحسانه وأخذ بعضهم من هذا الخبر‏[‏ولهذا حرم على القاضي قبول الهدية لأنه إذا قبلها لم يمكنه العدل ولو حرص وكره قبولها من الكافرين إلا أن رجى إسلامه‏]‏ تأكد رد هدايا الكفار والفجار لأن قبولها يميل القلب إليهم بالمحبة قهراً نعم إن دعت إلى ذلك مصلحة دينية فلا بأس‏.‏

لهذا الحديث قصة‏:‏ أخرج العسكري قيل للأعمش إن الحسن بن عمارة ولي القضاء فقال الأعمش‏:‏ يا عجبا من ظالم ولي المظالم ما للحائكين والمظالم فبلغ الحسن فقال‏:‏ عليّ بمنديل وأثواب فوجه بها إليه فلما كان من الغد سئل الأعمش عنه فقال‏:‏ بخ بخ هذا الحسن بن عمارة زان العمل وما زانه فقيل له‏:‏ قلت بالأمس ما قلت واليوم تقول هذا فقال‏:‏ دع عنك هذا حدثني خيثمة عن ابن عمر عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ جبلت إلى آخره وفي رواية ذكر للأعمش ابن عمارة فقال‏:‏ بالأمس يطفف في المكيال والميزان واليوم ولي أمور المسلمين فلما كان جوف الليل بعث إليه ابن عمارة بصرة وتخت ثياب فلما أصبح أثنى عليه وقال‏:‏ ما عرفته إلا من أهل العلم فقيل له في ذلك فقال‏:‏ دعوني منكم ثم ذكره‏.‏

- ‏(‏عد حل هب‏)‏ وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ وابن حبان في روضة العقلاء والخطيب في التاريخ وآخرون كلهم من طريق إسماعيل بن أبان الخياط قال‏:‏ بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش وقع فيه فبعث إليه بكسوة فمدحه فقيل له‏:‏ ذميته ثم مدحته فقال‏:‏ إن خيثمة حدثني ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال‏:‏ لا يصح فإن إسماعيل الخياط مجروح قال أحمد‏:‏ كتبت عنه ثم وجدته حدث بأحاديث موضوعة فتركناه وقال يحيى هو كذاب وقال الشيخان والدارقطني‏:‏ متروك وقال ابن حبان‏:‏ يضع على الثقات انتهى وفي لسان الميزان في ترجمة إسماعيل الخياط قال الأزدي‏:‏ هو كوفي زائغ وهو الذي روى حديث جبلت القلوب قال الأزدي‏:‏ هذا الحديث باطل انتهى‏.‏ ‏(‏وصحح هب وقفه‏)‏ ابن مسعود وقال‏:‏ إنه المحفوظ وقال ابن عدي‏:‏ المعروف وقفه وتبعه الزركشي وقال السخاوي‏:‏ هو باطل مرفوعاً وموقوفاً وقول البيهقي كابن عدي الموقوف معروف عن الأعمش يحتاج لتأويل فإنهما أورداه كذلك بسند فيه من اتهم بالكذب والوضع إلى هنا كلامه وأقول‏:‏ رأيت بخط ابن عبد الهادي في تذكرته قال مهنأ سألت أحمد ويحيى عنه فقالا‏:‏ ليس له أصل وهو موضوع‏.‏

3581 - ‏(‏جددوا إيمانكم‏)‏ قيل‏:‏ يا رسول اللّه كيف نجدّده قال‏:‏ ‏(‏أكثروا من قول لا إله إلا اللّه‏)‏ فإن المداومة عليها تجدد الإيمان في القلب وتملأه نوراً وتزيده يقيناً وتفتح له أسراراً يدركها أهل البصائر ولا ينكرها إلا كل ملحد جائر‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ في التوبة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح فاعترضه الذهبي بأن فيه صدقة بن موسى ضعفوه اهـ لكن قال الهيثمي‏:‏ إن سند أحمد جيد وقال في موضع آخر‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

3582 - ‏(‏جرير بن عبد اللّه‏)‏ البجلي ‏(‏منا أهل البيت ظهر‏)‏ بالرفع بخط المصنف ‏(‏لبطن‏)‏ تمامه عند مخرجه قالها ثلاثاً، وجرير هذا من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم كان أميراً بهمدان من قبل عمر وشرع لأهلها أحكام الدين وعلمهم الفرائض والسنن ونصب قبلتهم وأعقب بها قال في الإصابة‏:‏ كان جرير جميلاً قال عمر‏:‏ هو يوسف هذه الأمة وكان له أثر عظيم في فتح القادسية وكان طوله ستة أذرع‏.‏

- ‏(‏طب عد‏)‏ من حديث أبي بكر بن حفص ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال الهيثمي‏:‏ وأبو بكر هذا لم يدرك علياً وفيه أيضاً سليمان بن جرير لم أجد من وثقه وبقية رجاله ثقات اهـ وفي الميزان عن ابن عدي أن هذا الحديث مما أنكر على أبان بن أبي حازم‏.‏

‏[‏ص 346‏]‏ 3583 - ‏(‏جزاء الغني من الفقير‏)‏ إذا فعل معه معروفاً أي قضاء ذلك ‏(‏النصيحة‏)‏ له ‏(‏والدعاء‏)‏ لأنهما مقدوره فإذا نصح ودعا له فقد كافأه على صنيعه يقال جزى عني أي قضى‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏ع طب‏)‏ وكذا الديلمي كلهم ‏(‏عن أم حكيم‏)‏ بنت وداع الأنصارية قال الهيثمي‏:‏ فيه رواية أربع نسوة بعضهن عن بعض وهو مما يعز وجوده اهـ أي فيكون هذا من لطائف إسناده‏.‏

3584 - ‏(‏جزى اللّه الأنصار‏)‏ اسم إسلامي سمى به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الأوس والخزرج وخلفاءهم والأوس منسوبون إلى أوس بن حارثة والخزرج منسوبون إلى الخزرج بن حارثة وهما أبناء قبيلة وهي اسم أمهم وأبوهم حارثة بن عمرو ‏(‏عنا خيراً‏)‏ أي أعطاهم ثواب ما آووا ونصروا وجهدوا في ذلك ‏(‏ولا سيما عبد اللّه بن عمرو بن حرام‏)‏ والد جابر بن عبد اللّه من كبار الأنصار وعلية الصحابة وفضلائهم ‏(‏وسعد بن عبادة‏)‏ بضم العين وخفة الموحدة التحتية عظيم الأنصار‏.‏

- ‏(‏ع حب ك‏)‏ في الأطعمة وكذا أبو نعيم والديلمي ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه قال‏:‏ أمر أبي بحزيرة فصنعت ثم حملتها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ألحم هذا فقلت‏:‏ لا فرجعت إلى أبي فحدثته فقال‏:‏ عسى أن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشهى اللحم فشوى داجناً ثم أمرني بحملها إليه فذكره قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي‏.‏

3585 - ‏(‏جزى اللّه العنكبوت‏)‏ معروف يقع على الذكر والأنثى والجمع والمذكر والمؤنث ‏(‏عنا خيراً‏)‏ أي أعطاها جزاء ما أسلفت من طاعته ‏(‏فإنها نسجت عليّ في الغار‏)‏ لفظ رواية الديلمي فإنها نسجت عليّ وعليك يا أبا بكر في الغار حتى لم يرنا المشركون ولم يصلوا إلينا اهـ بلفظه‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ البصري ‏(‏السمان‏)‏ بفتح المهملة وشد الميم نسبة إلى بيع السمن أو حمله روى عن حميد الطويل وعنه أهل العراق مات سنة ثلاث أو تسع ومائتين ‏(‏في مسلسلاته‏)‏ أي في أحاديثه المسلسلة بمحبة العنكبوت ‏(‏فر‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أبي بكر‏)‏ الصديق وهو عنده مسلسل أيضاً بالمحبة للعنكبوت فقال‏:‏ أخبرنا والدي وأنا أحبها أخبرنا فلان وأنا أحبها منذ سمعت ذلك إلخ‏.‏

3586 - ‏(‏جزوا‏)‏ وفي لفظ قصوا وفي آخر أحفوا ‏(‏الشوارب‏)‏ أي خذوا منها قال ابن حجر‏:‏ هذه الألفاظ تدل على طلب المبالغة في الإزالة لأن الجز قص يبلغ الجلد والإحفاء الاستقصاء ومن ثم استحب أبو حنيفة وأحمد استئصاله بالحلق لكن المختار عند الشافعية قصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يستأصله فيكره وعزى لمالك والأمر للندب وجعله ابن حزم للوجوب وكأن ابن دقيق العيد لم يطلع عليه أو لم يلتفت إليه حيث قال‏:‏ لا أعلم أحداً قال بالوجوب قاله العراقي قال ابن دقيق العيد‏:‏ والحكمة في قصها أمر ديني وهو مخالفة شعار المجوس في إعفائه وأمر دنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف ‏(‏وأرخوا اللحى‏)‏ بخاء معجمة على المشهور وقيل بالجيم وهو ما وقفت عليه في خط المؤلف من مسودة هذا الكتاب من الترك والتأخير وأصله الهمز فحذف تخفيفاً ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ترجي من تشاء منهن‏}‏ وقوله ‏{‏أرجه وأخاه‏}‏ وكان من زي آل كسرى كما قاله الروياني وغيره قص اللحى وتوفير الشوارب فندب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إلى مخالفتهم في الزي والهيئة بقوله ‏(‏خالفوا المجوس‏)‏ فإنهم لا يفعلون ذلك عقب الأمر ‏[‏ص 347‏]‏ بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها من هدي المجوس قال أبو شامة‏:‏ ووجدت في بعض الكتب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لرجل رأى له شارباً طويلاً‏:‏ خذ من شاربك فإنه أنقى لموضع طعامك وشرابك وأشبه بسنة نبيك محمد صلى اللّه عليه وسلم وأعفى من الجذام وإبراء من المجوسية‏.‏

لو استعمل غير القص مما يقوم مقامه في الإزالة كقرض الشارب بالأسنان كفى في حصول السنة لكن القص أولى اتباعاً للفظ الحديث ذكره ابن دقيق العيد قال الزين العراقي‏:‏ وقد يقال إن فيه استنباط معنى من النص يبطله كما في إخراج القيمة عن الشاة المنصوص عليها في الزكاة‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أحمد أيضاً‏.‏

3587 - ‏(‏جعل اللّه‏)‏ أي اخترع وأوجد أو قدر ‏(‏الرحمة مئة جزء‏)‏ في رواية في مئة جزء أي أنه تعالى أظهر تقديره لذلك يوم تقدير السماوات والأرض ‏(‏فأمسك‏)‏ في رواية فأخر ‏(‏عنده تسعة وتسعين جزءاً‏)‏ وفي رواية أخر عنده تسعة وتسعين رحمة وفي رواية وخبأ عنده مئة إلا واحدة ‏(‏وأنزل في الأرض‏)‏ بين أهلها ‏(‏جزءاً واحداً‏)‏ وفي رواية وأرسل في خلقه كلهم رحمة قال القرطبي‏:‏ هذا نص في أن الرحمة يراد بها الإرادة لا نفس الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير، والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مئة على التمثيل تسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عند الخلق وتكثيراً لما عند اللّه‏.‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءاً فيفيد أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة وحكمة هذا العدد الخاص أنه عدد درج الجنة والجنة محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة ‏(‏فمن ذلك الجزء‏)‏ الواحد ‏(‏يتراحم الخلق‏)‏ أي يرحم بعضهم بعضاً وفي رواية بها يتراحمون بها يعطف الوحش على ولدها وفي رواية تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض ‏(‏حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن يصيبه‏)‏ بمثناة تحتية أوله بضبط المصنف خص الفرس لأنها أشد الحيوان المألوف إدراكاً ومع ما فيها من خفة وسرعة تتحرز أن يصل الضرر منها لولدها رحمة له وعطفاً عليه وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تتكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها وإدخال السرور على المؤمنين إذ النفس يكمل فرحها بما وهب لها وحث على الإيمان واتساع الرجاء في الرحمة المدخرة وغير ذلك‏.‏